قصة الملكة بلقيس كاملة: من ملكة سبأ إلى الإسلام - الجزء الأول

قصة الملكة بلقيس ملكة سبأ

"رواية عرش ومُلك: سيرة بلقيس ملكة سبأ"

قصة الملكة بلقيس واحدة من أروع القصص القرآنية التي تجمع بين الحكمة والملك والهدى الإيماني، بلقيس هي امرأة حكمت واحدة من أعظم الممالك على الأرض في تاريخ العرب قبل الإسلام، وقد ذكرت قصتها في القرآن الكريم في سورة النمل.


تعتبر ملكة سبأ نموذجًا للملكة الحكيمة التي تسعى للعدل والحق في مملكتها، "لقوله تعالى" {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (النمل: 23). 


مع ذلك كانت بلقيس تعبد الشمس مع قومها، رغم أن قلبها كان يمتلئ بتساؤلات حول صحة تلك العبادة، فقد كانت تسأل والدها دائماً قائلة: "كيف نعبد الشمس وهي تُغيب نفسها كل ليلة؟" 


دعنا نتتبع معا قصة الملكة بلقيس، من مهد الطفولة إلى الحكم عرش المُلك، ومن عبادة الشمس إلى سجودها للرحمن، لنستخرج عبراً لا تُذكَر إلا ويُذكر معها قوله تعالى {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، هكذا وصف الهدهد مملكة سبأ لنبي سليمان، لكننا نعود إلى البداية، وكيف أن أعظم ما أُوتيته لم يكن عرشها العظيم، بل هداية قلبها إلى نور التوحيد.


قصة الملكة بلقيس ملكة سبأ


الفصل الأول:

الملكة الصغيرة: "طفولة في قصر مارب"

وبينما يختلف المؤرخون في أصولها، تتفق الروايات على طفولة مميزة عاشتها إبنة الهدهاد في قصور مَأْرِب، وقيل إن إسمها كان "يَلمَقة" أو "بلقمة" بنت شرحبيل، بلقيس تلك الطفلة الصغيرة ذات الشعر الأسود الطويل والعيون البنية لامعة، تنمو في قصر والدها الملك الهدهاد في مدينة مَأْرِب العظيمة، عاصمة سبأ، ذات السد العظيم والقصور الشاهقة، حيث نشأت كالملكة.


كانت حياتها في القصر مليئة بالحب والحياة، لأن الملك الهدهاد كان يحكم مملكته بكل حكمة وعدل، بلقيس كانت البنت الوحيدة بين إخواتها الذكور الذين ماتوا في صغرهم، لذلك تربَّت كوليَّة عهد غير معلنة.


كانت تفضل مكتبة القصر على دمى الأميرات، وكانت تتلقى دروساً في الفلك والرياضيات واللغات من حكماء المملكة، وكانت تشك في ألوهية الشمس، وتسأل والدها في كل يوم "لماذا نعبد الشمس وهي لا تسمع دعائنا؟" كان رده دائماً "لأن أجدادنا رأوها اقوى ما في الكون".


كانت تحب قضاء الوقت مع والدها، تسمع له وهو يحكم مملكته، وتتعلم منه كيف يكون الحاكم العادل، وكان الملك الهدهاد يلاحظ اهتمام إبنته بالحكمة والتعلم، فكان يشجعها دائماً بقوله لها "أنتِ ستصبحين ملكة عظيمة يومًا ما.


كانت بلقيس تحب سماع ذلك من والدها، كان الملك الهدهاد فخورًا ببنته، وكان يؤمن أنها ستصبح ملكة عظيمة، وأنها ستكون خليفته على العرش، وستحكم مملكته بكل حكمة وعدل. 


مع مرور الوقت، اصبحت الملكة صغيرة أكثر نضجًا وحكمة، وأصبحت تدرك أهمية الحكمة والتعلم، كانت تعلم أن الحاكم العادل هو الذي يحكم بعقله لا بقوته فقط، كانت تؤمن بأن القوة تزول ولكن الحكمة تدوم.



الفصل الثاني:

امرأة على عرش سبأ: "تحدي التقاليد"

كان صيفٌ قائظٌ في مأرب حين أسلم الملك الهدهاد روحه إلى الله، تاركاً وراءه عرشاً يهتز ومملكة تترقب الأتي، لم تكن وفاة الملك مجرد رحيل، بل كانت زلزالاً هز أركان مملكة سبأ، فقد بدأت الهمسات تتحول إلى عواصف، وكان الجميع يهمس "كيف لمرأة أن تحكم عرش مملكة سبأ؟"هذا ما لم تعرفه العرب!.


في تلك الأثناء كانت قاعة العرش ذات الأعمدة الشاهقة، تجمع كبار ومسؤولي المملكة وكهنتها وقادة جيشها، كانت الأنفاس محبوسة والأبصار متجهة إلى كرسي العرش الفارغ بعد وفاة الملك الهدهاد.


من بين الصفوف نهض كبير الكهنة ذو الحية البيضاء يرتجف غضباً، قائلاً "الملوك رجال! وهذه سنة الأولين! لن تقبل القبائل امرأةً تحكم المملكة!.


تقدم حكيم القصر "أشهل" شيخ تجاوز التسعين عاما، وقد كانت عيناه تعكسان حكمة أربعة ملوك ممن خدمهم اثناء حكمهم لسبأ، كان صوته هادئاً كخرير مياه النهر، لكنه قطع الضجيج كالسيف قائلاً " نحن لا نتحدث عن إمرأة عادية، بل عن ملكة ربيناها منذ كانت صغيرة.


لقد رأيناها جميعاً تدرس النجوم مع الفلكيين، وتناقش التجار في اسعار القوافل، وتستمع للمظالم!، كما أن الملك الهدهاد كان يستشيرها دائما، هذه ملكة سبأ التي إخترناها منذ عشر سنوات!.


في تلك الأثناء كانت الملكة في جناحها الخاص، واقفة أمام نافذة تطل على سد مأرب العظيم، تتساءل هل استطيع حقاً ودموعها لم تكن لوالدها فقط، بل لكلماته الأخيرة "كوني حكيمةً يا بنيتي، فالحكمة وحدها تبني الممالك" 


توجهت بلقيس نحو قاعة العرش، عندما دخلت القاعة لم تدخل كابنة حزينة، بل دخلت عليهم كوارثة تهدد بالعاصفة، وقفت أمام مجلس الشيوخ، وعينيها البنيتان تلمعان بإرادة من حديد.


 قائلة "أعلم أنكم تشكون في قدراتي على قيادة مملكة سبأ، وأن العرف يقول رجل، لكنني أقول لكم أنني سأحكم باستشارتكم، وأقسم لكم بالشمس أن لا أتخذ قراراً رسمياً دون مجلس الحكماء هذا.


ساد القاعة صمت طويل، ثم بدأ التصفيق يخرج من زاوية، ثم اخرى حتى امتلأت القاعة بالتصفيق، وافقت جميع القبائل على الملكة الجديدة لمملكة سبأ، وكانت بداية حكم الملكة بلقيس لمملكة أبيها الملك الهدهاد.


في يوم التتويج، اختارت الملكة تاجاً من الفضة غير المذهبة - مرصعة بالعقيق اليماني الأحمر، من احجار مأرب الأصيلة، رمز القوة المتجذرة في الأرض، عندما وضع التاج على رأسها لم تنظر بلقيس إلى الجمهور، بل رفعت بصرها إلى السماء وهمست: "اللهم أعني ولا تعن علي، وهدني ويسر الهدى لي.


خرجت ملكة سبأ الجديدة من القصر، لتجد آلاف الوجوه تنتظرها، منهم فلاحين، تجار، نساء، أطفال، ثم خطبت فيهم دون منصة قائلة: "أيها الناس، لست خيراً منكم، ولكني أعدكم أن أكون أشد حرصاً على مصلحتكم من مصلحتي، أعدكم لن ينام أحد جائعاً في مملكتنا، ولن يظلم مظلوم فلا ننصره."


في اليل عندما خلعت الملكة بلقيس التاج وضعته على عرش الملك الهدهاد ونظرت لأمها قائلة: "التاج ثقيل يا أمي" أجبتها قائلة: "ليس التاج ثقيلاً بل الأمانة التي فيه."


هكذا بدأت حقبة جديدة في مملكة سبأ، حيث أصبح شعبها يؤمن أن الحكمة لا جنس لها،وأن العدل لا يحتاج إلى ذكورة، وأن اعظم القادة من يجعلون الناس شركاء في الحكم لا رعايا في الطاعة.


قصة الملكة بلقيس والهدهد

الفصل الثالث:

تحول مصيري: "الهدهد يطرق باب سبأ"

اصبحت بلقيس ملكة حكيمة عظيمة، عادلة، قوية على القوي وضعيفة مع الضعيف المظلوم، حكمت مملكتها بكل حكمة وعدل، حولت سبأ إلى مركز تجاري عالمي، مما جعل مملكتها تزدهر بفضل حكمتها وعدلها.


كانت ايام الملكة بلقيس تمر بين إدارة شؤون مملكتها، في أحد الأيام بينما كانت تجلس في حديقة القصر المطلة على سد مأرب، لاحظت شيئاً غريباً، هدهدٌ لم تره من قبل يحلق باستمرار في سماء القصر ثم يقف على شرفة غرفة الملكة، ثم يختفي نحو الشمال، لم تعلق بلقيس كثيراً، فالكثير من الطيور تحلق دائماً في أرجاء القصر.


في اليوم التالي، لاحظت بلقيس أن الهدهد عاد لنفس المكان، كان يتأمل القوم وكأنه يبحث عن شئ ما، عندما لاحظ الهدهد وجود الملكة، طار بعيداً، تاركا بلقيس تتساءل وتتأمل عظمة الخالق تعالى.


لكن في اليوم التالي عاد الهدهد، إلى نفس المكان شرفة غرفة الملكة بلقيس، وهذه المرة كان يحمل في منقاره رسالة، سوف تغير مصير مملكة سبأ للأبد، حلق الهدهد ببطء متوجها نحوى الملكة.


 ألقى الهدهد الرسالة بمنقاره قرب أقدم الملكة، التقطتها بيدها وهي تتساءل عن حكاية هذا الهدهد الغريب، وتتأمل في خاتم نبي الله سليمان عليه السلام.


كانت الرسالة من نبي الله سليمان، مكتوبة على ورقة من جلد غزال، عليه خاتم سليمان، مكتوب عليها "قال الله تعالى:" "إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ" (النمل: 30-31). 


إبتسمت الملكة قائلة في نفسها: "هذه ليست صدفة" ثم امرت حرسها بأن يتبعون الهدهد اذا عاد، لكن الطائر الذكي إختفى كما جاء اول مرة.


هكذا وقفت الملكة الحكيمة، حاملة الرسالة بين يديها، وكانت كلمات " بسم الله الرحمن الرحيم" تدق في قلبها كأول نداء حقيقي لخالق لم تعرفه من قبل، رسالة سليمان لم تكن مجرد خطاب ملكي، بل بداية رحلة ستغير مصير الملكة والمملكة بأكملها.


تابعو معنا في المقالة القادمة: "الجزء الثاني من قصة الملكة بلقيس"

Previous Post
1 Comments
  • Maha
    Maha 5 ديسمبر 2025 في 7:27 م

    عمل موفق بإذن الله
    متى تتمة القصة؟

Add Comment
comment url